الاثنين، 20 أغسطس 2012

أيوب المسعودي يكشف خفايا قصر قرطاج






ملاحظة: بينما يتمتع بعض القناصة العسكريين بالحصانة من الملاحقة القضائية رغم الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها إبّان الثورة، تتجرّأ المحاكم العسكرية على منع السيد أيوب المسعودي من مغادرة البلاد وتتبّعه قضائيا بسبب نشره لخفايا تورّط بعض أجهزة الدولة والقيادات في أعمال مضادّة للثورة. وبذلك تتحول تونس شيئا فشيئا من الحكم البوليسي إلى الحكم العسكري. يسقط يسقط حكم العسكر...


طارق رمضان يكتب: المعادلة السلفية!


ملخص ما فهمته من هذا المقال لطارق رمضان - مدونة مواطن محبط جدااااا: السلفية ظاهرة تديّن تعتني بالشكل والمظاهر (اللحى / القمصان / النقاب، إلخ) دون أصل الدين وقيمه. هي ظاهرة تقسم العالم إلى ثنائيات (حلال / حرام، نقي / مدنّس، مسلم / كافر، إلخ) تساعد كثيرا ضعاف المعرفة والجهلة على إيجاد نمط تديّن مريح لا يدعو للاجتهاد أو التفكر. هذه الظاهرة لا تهتم بأصل الدين ولا تسائل القضايا الكبرى في هذا العالم (النمط الاقتصادي النيوليبرالي، تحرير فلسطين، إلخ) بناء على قيم الإسلام وإنما تدعمها ماديا وسياسيا (مثال: أنظمة الخليج). الظاهرة السلفية تخدم مصالح القوى الغربية بامتياز لأنها تثير فتنة طائفية (سنّة / شيعة) ومذهبية تشق صف المسلمين وتضعف قدرتهم على التوحد حول مشروع إسلامي إصلاحي يتصدى للمؤامرات الخارجية. الجمود الفكري والعقائدي لهذه الظاهرة مضافا إليه الامكانيات المالية لجناحه السياسي الخليجي لديه القدرة على شل قدرة المسلمين في التعامل الواعي مع واقعهم وهو ما يسهل سيطرة القوى الغربية على العالم الإسلامي بكل يسر. إنهم طاعون قاتل!

طارق رمضان يكتب: المعادلة السلفية

في الوقت الذي نتابع فيه التطورات السياسية في كل من غرب وشمال إفريقيا وكذا في منطقة الشرق الأوسط، لا بد لنا من أخذ “المعادلة السلفية” بعين الاعتبار، والتي لعلها تكون من بين التحديات الدينية والسياسية الأكثر مصيرية في السنوات القادمة. بعد مضيّ عام من انتفاضات الصحوة العربية، أخذت التنظيمات والأحزاب السلفية تلعب دوراً نشيطا بشكل متزايد في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويلاحظ أن المنظمات السلفية السعودية والقطرية نشيطة جداً على المستويين الوطني والدولي. إذ أنها تدعم تنظيمات سلفية أخرى في جميع أنحاء العالم، في دول غرب إفريقيا (كالسنيغال، مالي، النيجر، ونيجريا ..) وكذا في دول شمال إفريقيا (كالمغرب، الجزائر وتونس) كما تدعمها في الشرق الأوسط وآسيا (في مصر، لبنان، أندونيسيا، ماليزيا). ويمتد هذا الدعم ليشمل الدول الأوروبية والأمريكية نفسها. ويبقى دعم هذه المنظمات بالأساس إيديولوجيا وماليا، هدفه نشر خطاب إسلامي من نوع خاص عن طريق كتب، منشورات ومؤتمرات، وعبر بناء مساجد ومؤسسات.

كل التنظيمات السلفية تجمعها مقاربة شديدة الحرفية للنصوص الشرعية، مع إيلاء الأهمية عادة للتمظهرات المرئية للمرجعية الإسلامية في الحياة اليومية (أحكام شرعية وفقهية): السلوكات المباحة وغير المباحة (حلال أو حرام). نظام اللباس، والطقوس وغيرها.

أصبحت المقاربة السلفية النقلية تنتشر في الكثير من الدول (حتى في الغرب نفسه) كما تنتشر في أوساط الشباب لأنها تشجع فهماً للإسلام يُختزل في رؤية الأمور بالأبيض أو الأسود: (حلال ـــــ حرام). على المسلمين، كما يؤكد السلفيون، اعتزال التجمعات المحيطة الفاسدة وتجنب النشاط السياسي.

هذه الرؤية الثنائية للعالم (المسلمون ضد غيرهم، الشر ضد الخير، النقاء الديني المــحفوظ ضد النشاط السياسي المفسد) صاغت مع مر السنين موقفاً فكرياً يتأسس على الانعزالية، واتخاذ وضع دفاعي وإصدار تقييمات حادة (من ينتمي إلى الإسلام في مقابل من هو مبتدع خطير، أو حتى مطرود من الملة).

لم تذهب الغالبية العظمى من السلفيين إلى أبعد من مثل هذه التقييمات الفقهية: هناك أقلية جدُّ صغيرة ( تطورت في شبكات مغلقة ومهمشة) لها نفس الموقف الفكري الثنائي، قامت بتغيير موقفها الدفاعي إلى حركية سياسية عدوانية، وأحياناً عنفية، مانحة لنفسها اسم “السلفية الجهادية”.

ليس هناك بشكل واضح أي علاقة إيديولوجية أو تنظيمية ما بين السلفيين النقليِّين والسلفيين الجهاديين، ولكن هؤلاء حملوا في الأوساط السياسية نفس الموقف الفكري الذي نجده منتشراً في صفوف النقليِّين فيما يخص القضايا التي تهم السلوكات (مع إضافة تبرير العنف ضد الأنظمة غير الإسلامية و”الفاسدة”).

غير أنه بإمكاننا أن نسجل، في السنوات والشهور الأخيرة، تحولا في النشاط السياسي للسلفيين النقليِّين. فبعد أن كانوا يرفضون خلال عقود المشاركة السياسية رابطين الديمقراطية بالكفر (رفض الإسلام)، أصبحوا الآن ينشطون في السياسة.

شكلت أفغانستان في التسعينيات تجربة حاسمة حيث صار الطالبان (وهم تقليديون عارضوا أيضا في البداية المشاركة السياسية) القوة الرئيسية المقاومة للهيمنة الروسية، مدعومين من قبل النظام السعودي والولايات المتحدة الأمريكية.

واليوم، أصبحنا نُعايِن في كل من مصر وتونس، صعود تنطيمات سلفية نقلية نشيطة بل فعالة، مثلما هو عليه الحال مع الأحزاب السياسية التي تلعب دوراً نقدياً عبر إثارة النقاش وتعديل التوازن السياسي داخل الدول المعنية.

ليس للولايات المتحدة الأمريكية كما ليس للدول الأوروبية مشكل في التفاوض مع هذا النوع من الإسلام السياسي الذي طوره السلفيون النقليُّون، والذي نجده عند الكثير من إمارات النفط الخليجية: هذه الأنظمة تستطيع بكل تأكيد أن تعارض الديمقراطية كما تستطيع أن تعارض التعددية. لكنها رغم ذلك لا تعرقل بأي وجهٍ المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية الغربية في المنطقة أو على المستوى الدولى. بل إنها تعتمد على الدعم الغربي لها حتى تستمر في الوجود: هذه التبعية النافعة تكفي الغرب كي يعلل تحالفا واقعيا- مع الديمقراطية أو بدونها.

تعرف كل من إدارة الحكومة الأمريكية، وكذلك دول أوروبية أخرى، تمام المعرفة أن المنظمات السلفية المتمركزة في المملكة السعودية أو في قطر أو في دول أخرى من الشرق الأوسط، تستثمر الملايين في “الدول المُــحَـــرَّرة” وخصوصاً في تونس وليبيا ومصر. في الآونة الأخيرة (هناك تقرير لمؤسسة راند “RAND” ذكر رقما لافتاً: ثمانون مليون دولار أمريكي تم استثمارها قبل الانتخابات في مصر وحدها).

لماذا يا تُرى تقوم الدول الغربية بتقديم الدعم المباشر وغير المباشر للإيديولوجيات الإسلامية التي يظهر جلياً تعارضها مع إيديولوجياتها؟

بعد قرن تقريبا من الحضور الفعلي في الشرق الأوسط وبالخصوص بعد الحرب العالمية الأولى، فهمت الإدارات الأمريكية المتتالية جـــيّداً،كما فهمت مثيلاتها الأوروبية، كيف يمكنها أن تسيِّر وتستفيد من علاقتها بإمارات النفط الخليجية وكذا بالإيديولوجية السلفية التي تنتجها وتنشرها هذه الأخيرة. وتتحدد مزايا ذلك في ثلاثة أمور:

أولاً: إمارات النفط الخليجية وإيديولوجياتها مهتمة أولا وقبل كل شيء بالسلطة السياسية والمصداقية الدينية. فهي تولي الأهمية، على نحو محافظ وصارم، إلى المظاهر السياسية والتفاصيل الاجتماعية والشرعية، ولكنها تبقى من الناحية الاقتصادية رأسمالية ليبرالية لا تهتم كثيرا بالتقييم الأخلاقي الإسلامي للنظام الإقتصادي العالمي النيوليبرالي. بل إنها تساهم في حقيقة الأمر في تقدمه.

ثانيا: تشجيع الميولات السلفية في قلب المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة يساعد، في آن واحد، على خلق انقسامات داخلها، ومنع التيارات والحركات الإصلاحية القادرة على اتخاذ موقف نقدي تجاه السياسات الغربية (إسلاميين إصلاحيين، يساريين أو حتى بعض الدوائر الصوفية التقليدية) من أن تكتسب المصداقية الدينية المباشرة والطبيعية (وبالتالي أن تحصل على أغلبية معتبرة داخل مجتمعاتها).

بدل أن يدخل الغرب في صراع مباشر (الشىء الذي سيؤدي على العكس، إلى توحيد المسلمين) تكمن الاستراتيجية الأكثر فعالية بالنسبة له في تقسيم المسلمين حول الشرط الديني ذاته: الشيء الذي يعني تحويل التنوع الطبيعي بين المسلمين إلى أداة للتفرقة الفعالة والنافعة.

ثالثا: الانبعاث السلفي يخلق مشاكل وتوترات داخل المرجعية السنية، وكذلك بين المسلمين السنة والشيعة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء يُعَدُّون منحرفين من طرف السلفيين النَّقليِّين. الشرخ السني ـــ الشيعي في الشرق الأوسط هو عنصر فعال في المنطقة، وبالخصوص عندما نقوم بتحليل الطريقة التي يعلن بها الغرب وإسرائيل تهديداتهما ضد إيران وطبيعة القمع المتواصل في سورية.

وحتى فيما يخص المقاومة الفلسطينية التي وحدت المسلمين تحت مسمى المقاومة الشرعية على مر السنين، صار الانقسام عميقا. من الآن فصاعدا أصبح الانقسام هو القاعدة في الداخل كما في الخارج، مع العلم بأن الحركية السلفية (التي لا تولي كبير اهتمام للقضية الفلسطينية) تحتد وتيرتها في صفوف المسلمين السنة، وكذا بين المسلمين السنة والشيعة.

يبقى هذا التحالف الاستراتيجي مع السلفيين النَّقليِّين في كل من الحقل الديني والحقل السياسي ضروريا بالنسبة للغرب، لأنه الوسيلة الأكثر فعالية للتحكم في الشرق الأوسط. حماية إمارات النفط الخليجية وحماية إيديولوجياتها الدينية مع تقسيم القوى السياسية القادرة على توحيد الصفوف ( مثلما هو الشأن بالنسبة للتحالفات بين العلمانيين والإسلاميين الإصلاحيين أو بالنسبة لخلق جبهة موحدة ضد السياسة الإسرائيلية) يستدعي تلغيم الدول ذات الأغلبية المسلمة من الداخل.

تواجه دول الشرق الأوسط الجديد، كما هو الحال بالنسبة لدول شمال وغرب إفريقيا، أخطاراً مهولة. ويلعب العامل الديني في ذلك دوراً أساسياً. وإذا كان المسلمون، والعلماء، والقادة الدينيون والسياسيون لا يعملون من أجل مزيد من الاحترام المتبادل والوحدة والتنوع المقبول فمن البديهي أنه لن يكون هناك ربيع عربي أو إفريقى متوج بالنجاح.

إن التدبير السيء والضعف الداخلي للمسلمين، سيتم استغلالهما لحماية إسرائيل من جهة وللتنافس مع الصين والهند من جهة ثانية. لذلك على الدول ذات الأغلبية المسلمة أن تبحث عن وجود لها كمجتمعات مستقلة لا أن تستمر في الاستجابة لأهداف عابثة مبيتة. يتحمل المسلمون مسؤولية تبني هذا الخيار، حتى لا ينتهوا منقسمين باسم الدين نفسه الذي يدعوهم إلى أن يتحدوا.

المصدر والترجمة: موقع المشهد التونسي



حكومة الضرب تحت الحزام!

عندما يصرّح ذلك النهضاوي الذي يشغل منصب مقرر الدستور المدعو الحبيب خضر بأنّ "الدولة حرة في نفسها تكشف من المعلومات ما تريد وتخفي ما تريد" وأنّ الحوكمة الرشيدة وحرية الانترنيت ليست مبادىء تستحق تضمينها في الدستور، وعندما يصرّح مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي في لقاء مع الجالية التونسية أنّ "الشعب التونسي غير جاهز للشفافية"، فلا تستغرب لماذا تتصرّف هذه الحكومة بوزرائها ورئاستها ورئيس جمهوريتها في المال العام ومقدّرات البلاد وكأنها ملك خاص لحضرة جانبهم ولأحزابهم. شكرا لكل من صوّت لهؤلاء وصمت على هذه المهازل... سيحاسبكم التاريخ يوما ما!



المزيد حول الموضوع هنا.

في المقابل، تذكروا ما كان مصطفى بن جعفر يصرّح به قبل الانتخابات حول الشفافية ومكفاحة الفساد (تونيزيا تالكس بتاريخ 24 سبتمبر 2011). صدق من قال "حديث الليل مدهون بالزبدة" وفي رواية أخرى "وعود الحملات الانتخابية لا تلزم سوى من يصدّقها"...

ولا تسألنّ عن فضيحة طرطور قرطاج وحزبه الكرتوني المؤتمر من أجل رئيس بلا صلاحيات ووزراء يلعقون أحذية قيادات النهضة!



الجمعة، 17 أغسطس 2012

تفاصيل القضية المرفوعة ضد أيوب المسعودي





المزيد من التفاصيل على موقع نواة.

ملاحظة: بينما يتمتع بعض القناصة العسكريين بالحصانة من الملاحقة القضائية رغم الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها إبّان الثورة، تتجرّأ المحاكم العسكرية على منع السيد أيوب المسعودي من مغادرة البلاد وتتبّعه قضائيا بسبب نشره لخفايا تورّط بعض أجهزة الدولة والقيادات في أعمال مضادّة للثورة. وبذلك تتحول تونس شيئا فشيئا من الحكم البوليسي إلى الحكم العسكري. يسقط يسقط حكم العسكر...


تصريحات أيوب المسعودي بعد منعه من السفر





مزيد من التفاصيل حول الموضوع على موقع نواة.

ملاحظة: بينما يتمتع بعض القناصة العسكريين بالحصانة من الملاحقة القضائية رغم الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها إبّان الثورة، تتجرّأ المحاكم العسكرية على منع السيد أيوب المسعودي من مغادرة البلاد وتتبّعه قضائيا بسبب نشره لخفايا تورّط بعض أجهزة الدولة والقيادات في أعمال مضادّة للثورة. وبذلك تتحول تونس شيئا فشيئا من الحكم البوليسي إلى الحكم العسكري. يسقط يسقط حكم العسكر...


جانب من تصريحات أيوب المسعودي حول أحداث سيدي بوزيد









المزيد حول الموضوع في شهادة أيوب المسعودي على مدوّنته الخاصة.

ملاحظة: بينما يتمتع بعض القناصة العسكريين بالحصانة من الملاحقة القضائية رغم الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها إبّان الثورة، تتجرّأ المحاكم العسكرية على منع السيد أيوب المسعودي من مغادرة البلاد وتتبّعه قضائيا بسبب نشره لخفايا تورّط بعض أجهزة الدولة والقيادات في أعمال مضادّة للثورة. وبذلك تتحول تونس شيئا فشيئا من الحكم البوليسي إلى الحكم العسكري. يسقط يسقط حكم العسكر...


أيوب المسعودي: سيدي بوزيد ... والمافيا

ليلة خير من ألف شهر
السيد أيوب المسعودي، المستشار السابق لرئاسة الجمهورية
لم ينصِف إعلامنا الخاص والعمومي سيدي بوزيد، معقل الثورة وقلبها النابض، بتغطية الأزمة التي يعيشها أهالي سيدي بوزيد البواسل من الداخل وبالتغول في أغوار الجهة ومعتمديّاتها وأريافها لسبر حقيقة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي يعيشه المتساكنون منذ أسابيع. كما لم يهتد ساسة تونس الجدد إلى ضرورة النزول إلى الميدان كأمثل سبيل للتعاطي مع هذا النوع من الأزمات بدل الاقتصار على توجيه التهم إلى أطراف سياسية تسعى، حسب قولهم، إلى استغلال الوضع لل"تحريض" و"التسييس" و"التحريك"... وهو ما لم يلبث إعلامنا التونسي أن تداوله لتضخيمه وتحريفه في تشويه صارخ لحقيقة الأشياء، ذلك أن الاضطرابات الأخيرة لم تكن ردة فعل مباشرة على قطع الماء والكهرباء أو التأخر في تسديد رواتب عمال الحضائر فحسب... بل كانت نتاج تراكم إخلالات وسياسات وقرارات ظالمة للحكومة الجديدة وأتباعها وحلفائها من مسئولين محليين وأعيان ولوبيات خدمت النظام البائد وهاهي اليوم تدين بدين الساسة الجدد. هذا ما سأحاول تفصيله في هذا المقال محاولا في الآن ذات، و بكل تواضع، أن أروي ما رأيت في سيدي بوزيد من توترات ومشاحنات مع قوات الأمن من جهة وما سمعت من بعض المتساكنين والشباب من جهة أخرى وذلك دون أن أدّعي الحياد، فأنا أقولها منحاز أيّما انحياز للثورة والمطالب الشرعية لأهالي سيدي بوزيد في زمن لا مكان فيه للحياد بين الحق والباطل.
لا يمكن أن يفوت كل من يزور سيدي بوزيد أو زارها ملاحظة أمرين مدهشين، أوَلا غياب (أو انسحاب) شبه كلي للدولة اجتماعيا واقتصاديا مع حضور قوي للقمع البوليسي وثانيا استماتة في المطالبة بالكرامة الاجتماعية والحق في الشغل ومقاومة الاستبداد الجديد دون أن يمنع كل ذلك أهالي المنطقة من الأمل وحب العيش.
الوضع الأمني وانسحاب الدولة
لا أعرف إن كان مصطلح الانسحاب جائزا في قضية الحال وإن كان للدولة حضور أصلا قبل 14 جانفي وبعدها. ما يؤكده ما شهدته وأقوال الأهالي هو أن القمع البوليسي وخاصة هيمنة المافيات واللوبيات، التي تسيطر على القطاعات الاقتصادية الحيوية بالمنطقة والتي كانت شديدة التشابك والترابط مع حزب التجمع المنحل وأعيانه في المنطقة، كان ومازال السائد في حياة أهالي الجهة.
كما تدل شهادات العديد من المتساكنين على أن قوات الأمن اعتقلت حوالي 85 شابا كانت تحركهم، حسب مزاعم بعض المسئولين الأمنيين والجهويين، أطراف "تجمعية" وأخرى "يسارية" تسعى إلى "التسييس" و"التحريض". ما يبعث على الريبة في هذه القضية هو التزامن المفاجئ لهذه الاعتقالات مع حملة الإيقافات التي يتعرض لها أبناء سيدي بوزيد وكذلك عدد من شباب جهات عديدة من الجمهورية بتهم ملفقة (حسب قول المتساكنين) كالسرقة وترويج واستهلاك المخدرات... وكأني بحكومة النهضة تسعى في خطة استباقية إلى استئصال بذور انتفاضة ثانية وإجهاضها عبر تشويه الشباب الذي يشارك في المظاهرات وعزل البعض في الجهات الأخرى من الذين قد يشكلون نواتا لانتفاضات مماثلة.
ولفهم التردي الذي وصلت إليه الأوضاع في الجهة، أقص عليكم ما رأيناه رفقة بعض الأصدقاء الذين رافقوني في زيارة سيدي بوزيد. في ساعة متأخرة من ليلة 11 أوت 2012. توجهنا إلى مركز الشرطة بحي الخضراء (أو المعروف لدى أبناء الجهة بحي "باسكي") بعد سماعنا بحدوث مناوشات بين عدد من المواطنين وقوات الأمن. حال وصولنا على عين المكان لمحت رضيعا، قيل لي أن عمره لم يتجاوز خمسة أيام، طريح الأرض ملفوفا بعباءة. كانت تحوم حوله أمه وجدته كما وقف عدد غفير من المتساكنين الغاضبين على رئيس المركز والتعاطي الأمني المتعسف للمسئولين المحليين بصفة عامة. بعد التحدث مع العائلة، فهمنا أن الرضيع هو ابن الشاب أشرف الشلباوي الذي تم القبض عليه غير بعيد عن مركز الشرطة في نفس اليوم دون إعلام العائلة بذلك، وقد وضعت أم الرضيع ابنها لإغلاق الطريق الذي يمر أمام مركز الشرطة وللتعبير عن ما تعتبره إيقافا تعسفيا لزوجها. كما رفض رئيس المركز إعلام العائلة بمكان الاحتجاز (علمنا بعد شبه مفاوضات طويلة وضغط كبير من المتساكنين على رئيس المركز أنه نقل إلى منطقة القيروان).
ما يؤسف في هذا المشهد هو أوّلا السّرّيّة والمافيوزية التي تتم بها هذه الاعتقالات التي هي أشبه بالاختطاف والفاقدة للقانونية، ثانيا كنت أتابع بدقة الكر والفر بين أفراد عائلة أشرف ورجال الأمن الذين كانوا هم بدورهم في حالة من العجز والذل الذي يثير الشفقة والقرف في آن واحد. شفقة بسبب انسحاب الدولة من دورها في التناول الاجتماعي الإنساني للتوترات وتركهم وحيدين مجردين من كل الأسلحة المعنوية والمعرفية لمواجهة وضع اجتماعي ونفسي قابل للانفجار من جديد مقابل تزويدهم بأدوات قمع حديثة أكثر فاعلية دون أن تقتل (كالرصاص المطاطي...) وقرف من ذلهم وخنوعهم وتطبيقهم الأعمى لتعليمات غير قانونية كالإيقاف التعسفي ثم الضرب والإهانة من قبل الشرطة العدلية قبل الإبعاد عن سيدي بوزيد ونقل المحتجزين إلى مراكز إيقاف خارج الولاية (القيروان أو صفاقس في أغلب الحالات) احتسابا لأي تحرك جماهيري لتحريرهم...
ليس اعتماد السرية أمرا مرفوضا في المطلق وقد يكون مشروعا في الحالات القصوى، إلا أن الإشكال يكمن في التعامل المهين مع المواطن التونسي الذي يتعرض للإيقاف دون أدنى شروط الكرامة الإنسانية ودون أن يتم إعلامه بحقوقه هو وعائلته ثم يتم نقله كالبضاعة إلى حيث لا يدري أهله ليضرب ويهان ويذوق الويلات... لم يقتصر القمع على الولاية، فللمعتمديات والأرياف أيضا نصيبها من العذاب. ففي الرميلية مثلا، وعلى خلفية احتجاج الأهالي على انقطاع الماء الذي سبب أضرارا جسيمة على المحاصيل الزراعية،  تعرضت سيدة مسنة إلى الضرب مما سبب لها كسرا في الساق. هذا إلى جانب ما تعرض له شباب من الرقاب، صوروا الشاب صدام الذي أصيب برصاصة مطاطية، من احتجاز وضرب وتنكيل.
انسحبت الدولة من كل المجالات، عدا القمع لحماية النظام من المواطنين متخلية عن حماية المواطنين. فيكفي أن تعلم أن أصدقاءنا في سيدي بوزيد منعونا من العودة إلى العاصمة ليلا خوفا علينا من قطاع الطرق، ولم نر في المقابل أثرا لدوريات حرس طول الطريق الفاصلة بين سيدي بوزيد ومدخل القيروان (طريق نصر الله...) رغم أن الطريق وعرة ومظلمة...
انسحبت الدولة أمام جشع الشركات الكبرى التي تستغل عرق المواطن. ففي أحد مناشر الطماطم بالمنطقة والتي تساهم فيه الدولة بقسط هام، دأب الفلاحون على زراعة الطماطم ثم بيعها إلى المنشر (نوع من المجمعات لتجفيف الطماطم) بسعر يقارب 150 مليم للكيلوغرام الواحد (يوفر المنشر البذور والأسمدة... ويقوم الفلاحون بالباقي من الزراعة إلى الجني...). إلا أن المنشر عرض على الفلاحين سعر 70 مليم للكيلوغرام كسعر غير قابل للنقاش. هذا ما أثار غضب الفلاحين الذين توجهوا في خطوة أولى إلى الوالي الذي رفض التدخل (وبحسب شهادات عديدة، يرفض نفس الوالي الذي نصبته حركة النهضة على أساس انتماءه السياسي، مقابلة النقابات وحتى نقابة الولاية نفسها) قبل أن يمروا للتصعيد والتظاهر أمام الولاية. كيف لعاقل أن يقبل تخاذل الدولة هذا وانسحابها وانصياعها لشركات شبه حكومية (مع مساهمة كبيرة للدولة) تسطو في وضح النهار على حق الكادحين. هل يمكن أن نآخذ البوزيديين على احتجاجهم من هكذا ظلم وحيف في غياب آذان صاغية ومسئولين يأخذون لهم حقهم؟
انسحبت الحكومة من أي دور اجتماعي في الجهة وحتى تدخلاتها "الاجتماعية" أحدثت إرباكا وتصدعا في النسيج الاجتماعي وتماسكه لتستفيد منه قوى الردة والرجعية التي تسعى إلى إحداث الفتن وتشطير العاطلين عن العمل وتفريقهم في نضالهم من أجل الحق في الشغل. فتشغيل عشرات الآلاف من أهالي الجهة في الحضائر في غياب إحداثات شغل تخلق الثروة وتمكن من استيعابهم جعلت جلهم يتقاضون قرابة 200 دينار دون القيام بأي عمل ينفع، هذا ما دفع عددا من الشباب العاطل عن العمل (ومنهم من يعمل بالحضائر) إلى الاحتجاج مطالبين بمنوال تنموي حقيقي يضمن التشغيل والتنمية البشرية بالجهة لا جرعات مسكنة لا تخلق ثروة ولا استقرارا في الشغل. هذا الاحتجاج أثار انزعاج عدد من عمال الحضائر الذين وجدوا في ذلك تهديدا للوضعية "المريحة" التي يعيشونها وهم يتقاضون أجرا دون عمل، هذا ما يعبر عنه بالتواكل على الدولة وهو أمر يرفضه كل تونسي غيور على بلاده ويرغب في الكد من أجل نفع البلاد والعباد.
الصمود والأمل
لم يعد هناك مجال للشك في أن النظام لم يسقط، حكومة الترويكا والأحزاب المكونة لها خانت الثورة ودم الشهداء الأبرار بتحالفها مع نفس مكونات النظام البائد لتنسج على منواله في الحكم بالحديد والنار وإهانة المواطن التونسي بكل أدوات الإخضاع القمعية والجسدية والمعنوية والاجتماعية وخاصة الاقتصادية التي تمثل أدهى مداخل الاستبداد وتركيع الشعوب.
ولكن الأمل كبير في الشباب الصامد الصابر الذي يتقد وعيا وذكاء وثورة والذي لا يحتاج إلى من يحركه أو يحرضه، ذلك أن للشباب تصوراتهم وأفكارهم التي دخلوا في طور صقلها وتطويرها والتفكير في الأطر التنظيمية لترويجها. كما أن هذا الشباب بدأ ينسق على مستوى محلي وجهوي ووطني بوسائل وأخلاقيات أرقى بكثير من تعامل جلاديهم معهم. هناك قوة ثورية حية ستفاجئ النظام الذي صار من الضروري إسقاطه.
كل يوم يمر يؤكد لي صواب قراري الاستقالة من رئاسة الجمهورية يوم 28 جوان 2012 الفارط.
أحمد الله الذي هداني وما كنت لأهتدي إلا بهديه.
أيوب المسعودي
تونس، 12 أوت 2012

المصدر: مدونة أيوب المسعودي


ملاحظة: بينما يتمتع بعض القناصة العسكريين بالحصانة من الملاحقة القضائية رغم الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها إبّان الثورة، تتجرّأ المحاكم العسكرية على منع السيد أيوب المسعودي من مغادرة البلاد وتتبّعه قضائيا بسبب نشره لخفايا تورّط بعض أجهزة الدولة والقيادات في أعمال مضادّة للثورة. وبذلك تتحول تونس شيئا فشيئا من الحكم البوليسي إلى الحكم العسكري. يسقط يسقط حكم العسكر...