الجمعة، 25 مايو 2012

الترويكا ستجعل من كمال مرجان رئيسنا القادم!

لعلّكم تابعتم مثلي الأنباء القادمة من مصر والتي تفيد تقدّم أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع المصري وحصوله، على الأقل إلى حد كتابة هذه الأسطر، على المركز الثاني في الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية ممّا يؤهّله للدورة الثانية في مواجهة مرشّح الإخوان المسلمين. وهذا إن حدث سيجعل المصريين أمام اختيار صعب: فإما أن ينتخبوا في الدور الثاني مرشح الإخوان المسلمين وإما أن يختاروا رجلا من رموز النظام البائد أو ما يسمى في مصر ب"الفلول". وفي كلتا الحالتين، مصر سيقودها إمّا إسلامي لا يعلم ما في رأسه إلا الله سبحانه وتعالى وإما سيحكمها النظام البائد الذي سيُبعث من جديد في شخص أحمد شفيق. وكلا الخيارين مأزق تاريخي للدولة العربية الأكبر في المنطقة. السؤال الذي يهمّنا كتونسيّين: هل وضعنا في تونس مختلف؟ نحتاج للإجابة عليه بعض التفكير وإعادة ترتيب للأحداث! تونس اختارت تعليق الدستور القديم والمضي في انتخاب مجلس تأسيسي يكتب دستورا جديدا يكون أصل الشرعية، على عكس مصر التي قامت في غضون شهور قليلة بتنقيح دستورها والذهاب مباشرة لانتخابات تشريعية تلتها انتخابات رئاسية. في تونس أيضا، تقدّمت حركة النهضة إلى الحكم باعتبارها صاحبة الأغلبية النسبيّة وكوّنت ائتلافا مع المؤتمر والتكتل. وإلتأم شمل المجلس التأسيسي فانتخب رئيسا له ثم رئيسا للجمهورية، عيّن بدوره رئيسا للحكومة فكوّن هذا الأخير فريقا ضخما من الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين. واشرأبّت الأعناق إلى تحقيق الوعود السخيّة التي قطعها الساسة الجدد على أنفسهم في حملاتهم الانتخابية. لكن بعد كل ذلك هل نحن أفضل حالا؟

مرّ من عمر رئاسة المنصف المرزوقي ما يقارب الستة أشهر وقضّى الفريق الحكومي ما يزيد عن الخمسة أشهر وهو يجلس على مقعد قيادة الدولة، والنتائج التي تحصّلت عليها -كمواطن- هي التالية:
  • أخطاء كثيرة وتوجّهات غريبة في السياسة الخارجية،
  • تجاهل شبه تام للأوليات الاقتصادية (العمل على استقرار الأسعار، البدء في حوار وطني حول التشغيل، تفعيل قانون المصادرة، استرجاع الأموال المنهوبة، جلب إستثمارات جديدة وتوفير ما يكفي من الاستقرار والأمن لطمأنة السياح ورؤوس الأموال، الإسراع بإعداد القانون التكميلي للميزانية، إلخ)،
  • رغم التحسّن الطفيف في الشأن الأمني إلا أن نمو المجموعات السلفية وتوالي هجماتها على المواطنين وعملياتها النوعية لاستعراض القوة قد ضرب سمعة البلد اقتصاديا وسياحيا وديبلوماسيا في الخارج ومثل تهديدا للحريات العامة والخاصة في الداخل،
  • تهجّم متظاهرين محسوبين على حركة النهضة على وسائل الإعلام والمعارضين للحكومة مع تواتر تسريبات غير مسؤولة حول "مؤامرة وشيكة ضد الحكومة" و"خوصصة الإعلام العمومي"، إلخ.
  • العمل على اختراق كل المواقع الإدارية من طرف المحسوبين على حركة النهضة والمقرّبين منها وبشكل خاص على المستوى الجهوي (الولايات) والمستوى المحلي (النيابات الخصوصية، المعتمديات) وحتى المستوى المركزي (معهد الإحصاء)،
  • تعيينات عديدة لتجمّعيين معروفين بقربهم الشديد من نظام بن علي (عمر النصايري، الحبيب الصيد، إلخ) في مناصب قيادية،
  • ضبابية كاملة وغموض في إدارة الشأن العام (امتيازات الوزراء وكتاب الدولة، تضارب القرارات بين الرئاستين، غياب التنسيق بين المؤسسات، إلخ)،
  • ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية وفشل كامل في مكافحة التهريب بأنواعه،
  • غياب أية إرادة حقيقية لمحاسبة رموز النظام السابق بل وصل الأمر للتساهل معهم قضائيا وحتى إطلاق سراح بعضهم،
  • غياب أية إرادة حقيقية لإصلاح القضاء والإعلام والبدء بالكشف عن ملفات الحقبة النوفمبرية السوداء في هذين المجالين،
  • غياب أية إجراءات عملية لإصلاح الأمن،
  • تجاهل كامل للشهداء والجرحى وحتى تورّط الشرطة (ومن يقال عنهم ميليشيات) في الإعتداء عليهم،
  • غياب أية خريطة طريق سياسية واضحة تخصّ المستقبل السياسي للبلاد وكذلك ما يخصّ العدالة الانتقالية، التشغيل، إصلاح الإعلام، القضاء والأمن،
  • غياب الحنكة السياسية في إدراة الشأن السياسي والعام (التصريحات الدونكشوطية، غياب الكارزيما، غياب الرؤية والمشروع، القرارات المتسرّعة وغير المدروسة، الارتهان لأطراف أجنبية، النيل من هيبة المؤسسات على غرار رئاسة الجمهورية، إلخ)
  • ... 
من جهة أخرى، لم يقدم نوّاب المجلس التأسيسي حكومة ومعارضة، صورة أكثر إشراقا من السلطة التنفيذية سواء على مستوى المواقف والمشاريع أو حتى السلوك، وذلك للحفاظ على رابط الثقة بين النائب ومن انتخبه. وبالنظر لحصيلة سبعة أشهر من عمل المجلس، أجد كمواطن ما يلي:
في مصر، انتخبت الأغلبية من الشعب الأحزاب الإسلامية ("المعتدلة" والسلفية) في الانتخابات التشريعية الماضية من أجل القطع مع الماضي، القضاء على الفساد وتحسين ظروف العيش (العمل، الأجور، إلخ). لكن تلك الأحزاب انخرطت في نفس الخصومات البدائية التي تحدث في مجلسنا التأسيسي، وتجاهلت مشاغل المواطن منذ أن تمّ الإعلان عن نتائج الانتخابات. وتظهر النتائج الحالية لانتخابات الرئاسة أنّ أكثر حزب عوقب هو أكبر الأحزاب أي الإخوان المسلمين. ويعتبر بعض المحللين السياسين أن تقدّم أحمد شفيق إلى المركز الثاني كان بسبب تصويت عقابي لما يقارب النصف من ناخبي الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية. حيث قال المحلل السياسي، فريد زهران، لـ"العربية.نت"، اليوم الجمعة، ما يلي:
أن تقدم المرشح الرئاسي، أحمد شفيق، في الانتخابات، ومنافسته الشديدة لمرشح الإخوان، الدكتور محمد مرسي، جاء نتيجة تصويت عقابي ضد الإخوان بسبب أدائهم البرلماني المخيب للآمال. وقال "إن نسبة من أصوات الناخبين ذهبت الى شفيق نكاية في الإخوان على أدائهم بعد فوزهم في الانتخابات البرلمانية، والذي خيب آمال المصريين، وظهر ذلك واضحا في محافظات لها ثقل للإخوان وتعتبر معاقل لهم، مثل محافظة الشرقية". 
وأكد زهران "أن الكتلة التصويتية الإخوانية الطبيعية، أي الذين ينتمون إليهم تنظيميا أو يؤيدونهم، تمثل 25% فقط من إجمالي الكتلة التصويتية في عموم الناخبين، والتي بلغت 50%، أي 25 مليون ناخب فقط من إجمالي 50 مليون لهم حق التصويت. وتابع: "ومن هذه الكتلة، فقد الإخوان ما نسبته 15%، إذا استبعدنا الذين صوتوا لهم في الانتخابات البرلمانية بعد أدائهم السيء تحت القبة، لتصبح الكتلة الفعلية التي حظي بها مرسي ما بين 10 الى 12%، وبالتالي اتجهت بقية الكتل التصويتية الى شفيق ثم مرسي يليه صباحي ثم موسى وأبو الفتوح".
ورأى زهران أن "جزءا كبيرا من الداعين الى الاستقرار، والذين يطلبون الأمن ويشعرون أن شفيق سيلبي احتياجاتهم في هذا المجال، أعطوه صوتهم، وهي كتلة كبيرة تمثل فئات التجار والعاملين في السياحة ورجال الأعمال والموظفين وغيرهم".
المصدر: العربية.نت
أما بالنسبة لتونس، فإن تواصل التخبّط الحكومي وعدم كفاءة الفريق الحاكم وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية سيجعل الكثير من التونسيين يغيرون مواقفهم تجاه الترويكا. أما فقدان الثقة في المجلس التأسيسي فهو شبه حتمي في ظل تواصل المستوى الذي عليه الحال من رداءة وتكبّر من قبل النواب. وحصيلة الأمر، أن الترويكا التي كان الكثير من التونسيين يرون فيها ما يكفي من الثورية والصدق لحسم الكثير من الملفات العالقة وطمأنتهم على مستقبلهم ستفقد الكثير من مسانديها في أي استحقاق انتخابي قادم. أما المعارضة فهي تعطي صورة سيئة لما يجب أن يكون عليه السياسي. وهي لم تتعلّم بعد من دروس 23 أكتوبر وتصرّ على عدم التعلّم، وحتى المحاولات التوحيدية التي قامت بها بعض الأطراف فيها (كالحزب الجمهوري) تبقى هشة ونخبوية وغير فعالة. كما أن الأخطر هو غياب البدائل والمقترحات لديها. وبالتالي لا نعتقد أنه سيكون لها وزنا كبيرا في أية انتخابات قادمة، على المدى القصير خاصة. ورغم أنها قد تحصد بعض الأصوات الغاضبة من ناخبي الترويكا فلن تجمع ما يكفي من الثقة لتصل إلى السلطة. إذن من سيحكم؟ هل تعتقدون أن التجمّعيين قد تبخّروا؟ على العكس، غياب أية عدالة انتقالية ومحاسبة لرموز العهد البائد قد مكّنتهم من إعادة تنظيم صفوفهم وتوسيع شبكاتهم. وما ظهورهم في الإعلام منذ مدة إلا دليل على قوّتهم وعزمهم على استغلال انتكاسة الترويكا وضعف المعارضة وتشتّتها. وهذا يفسّر لماذا وصل الأمر ببعضهم إلى حد تمجيد إنجازات بن علي على الهواء مباشرة!
ونحسب أنّ إصرار المؤتمر على إقصاء التجمّعيين بقوة القانون ناتج على استشراف بعض قياداته لحقيقة الوضع، خصوصا وأنّ الحزب قد انقسم إلى شطرين وقدّم الكثير من التنازلات للنهضة ممّا جعله يضحّي عمليا بجلّ التزاماته الانتخابية (وهو بذلك قد حكم على نفسه بانفصال جزء كبير من قواعده عنه)، وينسحب نفس الشيء تقريبا على حزب التكتل. أما حركة النهضة فإنها إن لم تتمكن من السيطرة على إدارة العملية الانتخابية (وتزويرها) فإنها قد تخسر من 10 إلى 15% من الأصوات (مقارنة ب23 أكتوبر) في أية انتخابات تشريعية قادمة. وستحكم على مرشّحها للانتخابات الرئاسية في أفضل الأحوال بهزيمة مشرّفة. وعليه فإنّ تقديرنا للموقف الحالي يقول بأنّ مواصلة الترويكا لهذا النهج في العمل السياسي والحكومي وإصرار الطبقة السياسية، بخاصة الممثّلة في المجلس التأسيسي على تجاهل مشاغل المواطن وتكبّرها عليه هو بمثابة تقديم طوعي للسلطة للتجمّعيين. ولن أستغرب إن تمّ تنصيب كمال مرجان رئيسا للجمهورية التونسية في صيف العام القادم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق