الثلاثاء، 22 مايو 2012

عندما تكتشف أنّ مواطنيك يعشقون التمييز...

تحت مظلّة الديكتاتورية، كنت أعتقد أنّ النزعات الجهوية والفئوية التي لاحظتها في الجامعات والملاعب وحتى التلفزيون مردّها سياسة الحاكم (بورقيبة / بن علي) الذي أراد أن يؤلّب الناس على بعضهم ليفرّقهم أشتاتا ويهنأ بالدوس على رقابهم بكل يسر. فسياسة "فرّق تسدّ" أقدم تكتيك سياسي يعرفه البشر! أبقى أتذكّر دوما دهشتي لمّا سألني بعض زملائي خلال أيامي الأولى بالجامعة من أين أتيت. أجبت "سيدي بوزيد" فردّ أحدهم "وين تجي هذي سيدي بوزيد؟ في ليبيا؟" فضحك الجمع وأسقط في يدي. كان ذلك موقفا غريبا عليّ ولكنه يبقى رغم تكرّره عدة مرات وفي ظروف مختلفة، لا شيء مقارنة بما قد يقوله البعض في حق مواطنينا من ذوي البشرة السمراء أو أبناء الجهات الداخلية أو المعوقين أو من أصحاب الديانة اليهودية، إلخ. توالت السنوات وأخذت الجهويات منحا خطيرا تحوّل إلى مواجهات داخل وخارج الملاعب وإلى دعوات للإنفصال وإعلان للجمهوريات على الفايسبوك وحتى فرض للتأشيرة! أما بعد انتفاضة 14 جانفي فحدّث ولا حرج، حيث وصل بعض النقابيّين إلى حدّ التهديد بالانفصال وأصبحت أبسط المشاكل في جهة من الجهات تعتبر إعلان حرب عليها مع ما يصحب ذلك من تجييش ومظاهرات وتخريب للمؤسّسات العامة والخاصة وقطع للطرق وحتى إلى مواجهات عروشية بدائية يسقط فيها عشرات الضحايا ومئات الجرحى. ما نبّهني إلى خطورة ما يحدث من تمييز وعنصرية كريهة ضد بعض مواطنينا من أبناء هذا البلد الذي كان الأوّل في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي الذي يمنع الرقّ سنة 1848، بعض الشهادات والبرامج التي عرضت في الإعلام.

التمييز ضد المواطنين من الديانة اليهودية
أنا مسلم (والحمد لله) وأعتزّ بأنني كذلك. لا أنتمي لجماعة "عنّقني"، ولم أنتم يوما لمحفل ماسوني و لا يعرف عني أنني ناصرت الصهيونية يوما. كما أنني والحمد لله رجل مكتمل الرجولة والصحة (حمدا لله على النعمة، وهذه فقط غمزة لمن يهمّه الأمر!). ورغم ذلك يصدمني حجم الكراهية والعنصرية التي يمارسها البعض ضد مواطنينا من اليهود. ولا داعي إلى أن أصف لكم مقدار خجلي ودهشتي ممّا أقدم عليه البعض من "المتديّنين" من دعوات علنية لقتل اليهود (مثلا أمام الكنيس اليهودي بالعاصمة في الأيام الأولى لمغادرة الديكتاتور وكذلك أمام مطار تونس قرطاج عند استقبال رئيس وزراء حكومة حماس). لكن رغم ذلك يبقى لديّ أمل بأنّ هؤلاء قلة غوغائية ملأت الدنيا وشغلت الناس بضوضائها وضجيجها. لكن أحيانا، أشعر بخيبة الأمل عندما أرى التمييز الذي يحدث ضد هؤلاء المواطنين في الإدارات والوظيفة العمومية وغيرها.

اليهود في تونس - برنامج في الصميم (قناة التونسية)


التمييز ضد مواطنينا من ذوي البشرة السمراء
كثيرون ربما يذكرون شخصية "جميلة" في سلسلة مكتوب الشهيرة والتي فرضت على ابنها عدم الزواج ب"رانية" لأنها "سمراء" وبالتالي "موش متاعنا" على حد تعبير الشخصية. كانت تلك من المرّات القليلة التي تجرّأ فيها الإعلام التونسي على الكشف على أحد مظاهر التمييز ضد مواطنينا من ذوي البشرة السمراء. والمؤكد أن هؤلاء يتعرضون إلى الظلم والتمييز في الإدارة والشارع وكل مناحي الحياة.

برنامج في الصميم (قناة التونسية) - التونسي والعنصرية


وفي آخر حلقة من برنامج لاباس، استضيف الفنان صلاح مصباح الذي تحدّث عن المظلمة التي تعرّض لها في سنة 2006، وكذلك اعتقاله لمدة أربعة أيام ابتداء من 14 جانفي. وقد استفاض في الحديث عن الانتهاكات العنصرية التي تعرّض لها في الحالتين. لكن الكثيرين على الفايسبوك تجاهلوا كل ذلك وأطنبوا في انتقاده لأنه شكر الدكتاتور السابق لمعارضته التنكيل به في قضية 2006. الخلاصة، كثيرين لا يعون خطورة التمييز أيا كان مأتاه ولا يعرفون أنّ هذه الذهنية إن انتشرت فهي لا تهدّد السلم الإجتماعي فقط بل سيكون ضحيتها الجميع بدون إستثناء.

صلاح مصباح في برنامج لاباس (قناة التونسية)


والحل في رأينا للقضاء شيئا فشيئا على هذه الظاهرة الخطيرة يكمن في مجموعة إجراءات عملية من ضمنها:
  • تضمين مناهضة كل أشكال التمييز في الدستور وإصدار قوانين زجرية لردع كل من يمارسه.
  • تضمين مناهج التعليم منذ المرحلة الأساسية برامج تناهض العنصرية والتمييز.
  • نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر وإنشاء حملات تحسيسية وتثقيفية حول الموضوع.
  • إصدار قانون يفرض على المؤسّسات العامة والخاصة أن توظف الناس دون تمييز (دون اعتبار للدين أو الجنس أو الإعاقة البدنية، إلخ) وأن يتمّ مراقبة تنفيذ ذلك، مثلا كإقصاء المؤسّسات التي لا تستجيب لهذه الشروط من المناقصات العمومية.

وإن شاء الله لا باس!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق