الثلاثاء، 5 يونيو 2012

جلال بريك وتشليك الدولة!

مصدر الصورة: الفايسبوك
قام أحد الحمقى الذين أفرزتهم انتفاضة الشعب كأثر جانبي لعقود الكبت الطويلة بالتهجّم على الرسول الأكرم -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- بأقبح الألفاظ. الرجل معروف بانتمائه إلى اليسار الراديكالي وكرهه الشديد للإسلاميين عامة والنهضاويين خاصة، ويقود حربا كلامية شعواء ضدهم منذ أشهر طويلة. ولماّ تبيّن له أن "ثورته" المزعومة ضد ما يسمّيه ب"النظام العميل السفاح"، والتي لا توجد سوى في رأسه وعلى صفحات اليوتيوب والفايسبوك، شرب حتى ثمل وانهال على الله ورسوله بالشتم والتجريح. لكن ما راعنا أنّ العشرات من المتديّنين  يطلقون دعوات لقتله وهدر دمه على الفايسبوك (بعض الصفحات معروفة بانتمائها السلفي أو النهضاوي). وثمّة من سجّل فيديو يشهر فيها سلاحا ناريا ويتوعّده بسوء المآل. كما وضع أحد الأشخاص جائزة تتمثل في خمسة آلاف دينار ومصاريف عُمرة لمن يقتل المدعو جلال بريك. شخصيا، أحسست خلال أيام قليلة أنّني لست بصدد متابعة ما يحدث في تونس وتساءلت للحظة إن كنت أقرأ وأشاهد ما ينشره أتباع طالبان! لم أكن أتصوّر أنّ أشخاصا عاديّين -مثلي ومثلك- يتجرّؤون على إطلاق فتاوي هدر الدم ودعوات القتل والسحل والتعذيب ضدّ أي كان، بمثل تلك السهولة والغوغائية، وبمعزل عن الجريمة التي اقترفها. حسنا، ما فعله المدعو جلال بريك فعل مُشين ومُدان بلا تحفّظ. لكن هل يبرّر هذا أن يعمد مدنيّون لتكفيره والدعوة لقتله؟ وهل نصرة المقدسات تمر عبر القتل والسحل والعنف؟ أين هيبة الدولة؟ أين احترام النظام العام؟ حتى هؤلاء الذين يناصرون تطبيق الشريعة وينادون بدولة خلافة يعلمون أحسن العلم أن "أمير المؤمنين" هو الوحيد الذي يخوّل له الشرع تنفيذ الأحكام في حق أي كان. فهل أصبح كل هؤلاء المنادين بقتل المدعو جلال بريك أمراء وخلفاء ونحن لا ندري؟ أية فوضى هذه؟ وهل الحماس لنصرة الدين يصل بالبعض إلى هذا المستوى من الاستهتار بالأنفس والأعراض؟ ألا يخشى هؤلاء تبعات هذا التفكير المنغلق وهذه الدعوات الغبية لممارسة العنف؟ ألا يأخذون العبرة مما حدث في الجزائر ولا يزال يحدث في العراق والصومال واليمن؟ أية غيوم جهل وتخلف تلك التي تلبّدت في سماء تونس عقبة ابن نافع وأنس ابن مالك والإمام سحنون وغيرهم، فأمطرت انغلاقا وسوء أخلاق؟! 
من جهة أخرى، سبق للرجل نشر فيديوهات شتم فيها الشعب التونسي بأقذع الألفاظ لأنه لم يستجب لدعواته الفايسبوكية ب"الثورة من جديد"! أليس من الغريب أنّ قليلين فقط اهتموا بالأمر، بينما  انبرت الأغلبية تصفّق وتشجّع "جلال بريك.. روح الشعب". لماذا  يردّ البعض الذي يعتقد أنّ رموزه الدينية قد دنّست بكل ذلك العنف والاستهتار والكراهية بينما لا يحرّكون ساكنا عندما  تدنّس رموزنا الوطنية الجامعة (حادثة العلم نموذجا)! بل يدافع بعض هؤلاء المتديّنين على المعتدين بكل المبرّرات المعقولة وغير المعقولة!
أما على المستوى الرسمي، فحدّث ولا حرج. فهذا مفتي نظام الشابع من نوفمبر الذي سكت دهورا طويلة على المصاحف التي دنّست في السجون والمحجّبات اللائي منعن من الدراسة والعلاج في عهد سيّده ووليّ نعمته بن علي، هاهو يصدر بيانا يستنكر فيه اعتداء المدعو جلال بريك على "الذات الإلاهية وعلى حضرة مقام النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأصحابه الكرام". تحت حكم بن علي، ألم تكن على سبيل المثال المصاحف التي دنّست والمساجد التي تحوّلت إلى خمّارات (مسجد المركب الجامعي نموذجا) مقدّسات إسلامية يجدر الدفاع عنها؟! سبحان مغيّر الأحوال...
أما وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي فلم يفوّت الفرصة لينشر فيديو يردّ فيه على المدعو جلال بريك! أي نعم، وزير دولة يفترض فيه أن يكون وزير الشعب بأكمله (وزير المتديّن والملحد والسكّير والزنديق والصادق والكاذب والتائب والعاصي، إلخ) يخرج عن واجب التحفّظ الذي يفرضه عليه منصبه كوزير في حكومة دولة جمهورية ليردّ على ترّهات أحد مواطنيه بفيديو مماثل! (نعم، هكذا)... أين هيبة الدولة؟ أين حياد الإدارة؟ أين واجب التحفّظ؟ أين احترام الشعب؟ هل مازال هناك شك في أنّ السيد الخادمي وأمثاله يتوفّرون على أي قدر من المبادئ الأساسية لأية جمهورية تحترم نفسها؟ من الواضح أنّ تجّار الدين مستعدّون لفعل أي شيء للاستمرار في مغالطة الناس واللعب على عواطفهم الدينية ولو اقتضى الأمر "تشليك الدولة" وهضم جانب مؤسّساتها. كان من المفترض من السيد الخادمي -لو كان فعلا يحترم مؤسّسات الدولة التي يمثّلها- أن يوجّه مراسلة إلى النيابة العمومية من أجل أن تنظر إن كان ما اقترفه المدعو جلال بريك يقتضي تتبّعا عدليا كجريمة حق عام أم لا، وأن يلزم مكتبه ويغلق فمه ويحترم نفسه والدولة التي يمثّلها. عفوا، هل قلتم ثورة؟!


في شأن آخر، كيف يسمح السيد الخادمي لنفسه بالرد على المدعو جلال بريك دون التدخل لإيقاف الشيخ السلفي البشير بن حسن الذي دعا إلى سحب جنسية الأحمق الأوّل وحتى قتله. وأين النيابة العمومية لتفتح تحقيقا في هذه الدعوة الخطيرة للقتل؟ ألا يعتبر ما قاله هذا الرجل تحريضا على ارتكاب جرائم في حق الغير ودعوة للمواطنين للاقتتال؟ ألا يعدّ ذلك خرقا خطيرا لأحكام المجلة الجزائية؟ أم أنّ النيابة العمومية التي يترأسها قانونا الوزير الفاشل نور الدين البحيري لا تجد حرجا في إيقاف صحفي وسجنه من أجل صورة فاضحة وتصمت إزاء من يدعو للقتل وإراقة الدماء؟ هل صدر إمرأة عارية أخطر على أمن تونس من رجل يستعمل الدين لتصفية الناس وإزهاق أرواحهم؟


صراحة، لا أنتظر إجابة على كل تلك الأسئلة فوزراءنا الكرام مشغولين جدا بتدريب أتباعهم ومريديهم على إعادة إنتاج الفلكلور التجمّعي المقرف الذي خلنا بن علي قد أخذه معه في حقيبته يوم غادر البلاد. في هذه الأثناء، هاهي بعض الأنباء تتحدّث عن جند القاعدة الذين يشدّون الرحال إلى تونس. فأبشر يا شعبنا بالحرية والكرامة والعدالة القادمة إليك من العراق وأفغانستان!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق